الصحوة اﻹسلامية و منطلق الرحمة المفقود

الصحوة اﻹسلامية و منطلق الرحمة المفقود

الله هو الرحمن الرحيم ..

يرزق العباد القلوب الرحيمة التي تتدفق رحمة وحنانا وشفقة على الخلق وعلى قدر نصيب العبد من الصلاح واﻹصلاح واﻹحسان في عبادته و علمه ودعوته وقربه من القرآن..

"إن رحمت الله قريب من المحسنبن" تكون رحمة الله قريبة منه ﻻ ينزعها من قلبه فيستحيل قاسيا على اﻷقربين واﻷبعدين فقد تنزع منه حتى على فلذة كبده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للجدبن قيس حين أخبره أن له عشرة من الولد لم يقبل منهم أحدا "أوأملك أن نزع الله من قلبك الرحمة"

فمن كان هذا حاله مع القريبين فكيف يكون حاله مع من أذاه أو تعرض له بسوء هذا ﻻ يتصور منه إﻻ أبشع صور اﻻنتقام و إرواء الغليل بالشماتة وأنواع اﻹهانة..

ولكن أفق اﻷنبياء والرسل صلوات الله وسﻻمه عليهم وورثتهم من العلماء والحكماء والدعاة في سماء أخرى وفي علو سامق من فيوضات الرحمة التي يفيض الله بها على قلوبهم على الموالفين والمخالفين على البر والفاجر والمؤمن والكافر والذي أحسن والذي أساء وهذا يدل على اتساع قلوبهم وتدفق شﻻﻻت الرحمة والحنان والشفقة فيها من آثار عﻻقتهم الطاهرة بربهم التي تشبعهم وتغنيهم عن مﻻحقة المخلوقين مطالبة وعتابا وعقابا ..

قال شيخ اﻹسﻻم ابن تيمية رحمه الله "العارف ﻻ يرى لنفسه على أحد حقا وﻻ يرى لنفسه على أحد فضﻻ ولذلك ﻻ يعاتب وﻻ يطالب وﻻ يضارب" مستغنيا بالله عن العالمين فتراه يصبر الصبر الجميل على اﻷذى بﻻ جزع ، ويهجر الهجر الجميل بﻻ أذى ، و يصفح الصفح الجميل بﻻ عتاب..

تجده رحيما على المخالف ولو كان كافرا يسترحم ربه له و يسعى لهدايته بكل وسيلة يكره كفره وفسوقه وعصيانه و ﻻ يكره شخصه كراهية تعيقه عن دعوته "ولكن الله حبب إليكم اﻹيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان"

انظر كم كانت رحمة إبراهيم عليه السﻻم كادت تمﻷ السهل والوادي مع أبيه مع اﻷذى و التهديد بالرجم "قال سﻻم عليك سأستغفر لك ربي" ومع قوم لوط المجرمين ومع إتيان البشرى لم ينشغل

"فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط" يسترحمهم يجادلهم في تأخير العذاب عنهم وعن قريتهم

"إن إبراهيم ﻷواه حليم " اﻷواه كثير التوجع والتأوه لأحوال الخلق ...

لم تقتصر الرحمة على القريب أو من معه في فئته و عصابته وطائفته بل شملت المخالف والعاصي والكافر مع كراهية المنكر والسعي ﻹزالته باليد واللسان..

انظر إلى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالكفرة حتى مع اﻹيذاء الحسي والمعنوي حتى عاتبه ربه في هذا "فلعلك باخع نفسك على آثارهم " " فﻻ تذهب نفسك عليهم حسرات"

"فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب ﻻنفضوا من حولك"

"لعل الله يخرج من أصﻻبهم من يوحد الله تعالى" مع القدرة على اﻻنتقام بأن يطبق ملك الجبال اﻷخشبين..!

ورحمة الصالحين المصلحين كرحمة مؤمن آل ياسين بقومه مع الضرب والسحل والدوس باﻷقدام حتى خرجت أمعاؤه من دبره ولفظ أنفاسه الطاهرة اﻷخيرة وصوته يجلجل "إني آمنت بربكم فاسمعون" ثم "قيل ادخل الجنة" فانطلقت منه صرخة رحمة وشفقة تشق صدور القساة و غﻻظ القلوب " ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين" هذه رحمته بمن آذاه وقتله وهو يدعوهم إلى الله ويريد بهم الخير..

منطلق الرحمة في الدعوة إلى الله منطلق رباني يشكل رؤية مختلفة للداعية وهو في آتون الصراع والتدافع بين الحق والباطل ومن ثم تختلف سلوكياته و مظاهر بذله و تضحياته في دعوته وإصلاحه..

فهل اصطحبنا هذه النفسية "وياقوم إني أخاف عليكم يوم التناد"

هذه المشاعر "فإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير "

هذه اﻷحاسيس "إني آخذ بحجزكم من النار وأنتم تفلتون مني تقحمون فيها"..

الرحمة منطلق مفقود في دعوتنا وصحوتنا داخل البيت وخارجه وفي أخﻻقنا وفي أدبيات خﻻفاتنا مع الموالف والمخالف داخل مؤسستنا وغيرها ..

ولذلك ﻻ نزال نكلم أنفسنا و دعوتنا محصورة في فئة دون فئة و طائفة دون طائفة ..محجرة عن العالمية و القرب من قلوب وعقول الجماهير لفقد هذا المنطلق..!

ﻻبد أن تختفي من حياتنا ودعواتنا التعدي والتكفير والتنفيق بالباطل وتيئيس الخلق من رحمة ربهم بلسان الحال أو المقال "والله ﻻ يغفر الله لك " أو "ليس لك توبة"

والقسوة على المخالفين أو المبتدعين بالشماتة أو الفرح فيهم حتى مع أذاهم ..والتعيير والتنابز باﻷلقاب

فرحمة الله واسعة تسع كل شيء و ذنوبهم مهما عظمت فهي شيء

فرحمته حرية بأن تدرك مثل فرعون فمابالك بمن دونه ..!

قال جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم "لو رأيتني يا محمد وأنا أدس الطين في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة"

فلتكن بالرحمن خبيرا تدل عليه بسمتك

و أخلاقك و سلوكياتك ودعوتك..!

الابلاغ عن خطأ
شارك