{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}

{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

 

فأرواحنا من غير القرآن تموت.

 

أبصارنا من غير القرآن تفقد النور.

 

فالقرآن هو نفس الحياة، ونور الأبصار، قال الله سبحانه وتعالى: "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا" <الأنعام:122>.

 

"أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ": قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: "أَوَمَن كان ضالًّا فهَديناه"، فالهداية بالنسبة للإنسان، كالروح بالنسبة للجسد.

 

هل رأيت جسدًا يمشي بلا روح؟

 

فحقيقة تلك الروح هو ذلك القرآن العظيم، "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إليك رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا".

 

علاقتنا بالقرآن ينبغي أن تكون علاقةً لصيقةً كعلاقة الروح بالجسد؛ فالجَسد لا يكون بغير روح، والروح لا تكون بغير جسد؛ فينبغي أن نرتبط بالقرآن ارتباط الجسد بالروح؛ لكي تحيا أرواحنا وقلوبنا.

 

فإننا مِن غير القرآن نموت.

 

إننا من غير القرآن ننتن.

 

من غير القرآن نبتعد -فعلًا- عن الحياة الحقيقية، قال الله تعالى: "وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ . وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ . وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ . وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ".

 

"وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ": هل كُلِّف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى القبور ويدعوهم إلى الله؟!

 

لا، بل مَن في القبور هم هؤلاء الكفرة؛ الذين ماتت قلوبهم، وأصبحت أجسادهم قبورًا لتلك القلوب؛ لأنها بعُدت عن الوحي، وبعُدت عن الروح: "وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إليك رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا"؛ أي: مِن أمر الله تبارك وتعالى.

 

تكلَّم الله تبارك وتعالى بذلك الكلام، وتلقاه منه جبريل عليه السلام، وأدَّاه إلى محمد صلى الله عليه وسلم كما سمعه، لكي يحيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لتحيا به الأمة ثم لتحيا به البشرية جمعاء؛ فذلك القرآن هو الروح، هو الحياة، "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ".

 

قال الله تعالى: "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ" <القمر:17>.

 

هل مِن شاكرٍ؟

 

هل مِن ذاكرٍ؟

 

هل مِن طالب علمٍ؟

 

هل مِن منزجرٍ عن المعاصي؟

 

هل مِن قلبٍ سليمٍ؟

 

"وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ": الله تبارك وتعالى في القرآن ينعم علينا بنعم، ويطالبنا بشكره وشكر نعمه سبحانه وتعالى، وهذا قانونٌ عامٌ في القرآن كله؛ لا تجد نعمةً إلا ويجب أمامها شكرٌ لتلك النعمة، وأعظم نعمةٍ مِن نعمه سبحانه وتعالى: أن يَسَّر -لنا- القرآن للذِّكْر.

 

وتدبر -أخي- كيف أن الله العظيم تبارك وتعالى، خالق السماوات والأرض، خالق ذلك الكون الواسع كله -الممتلئ بمئات الآلاف مِن المجرات التي تبعد عنا ملايين السنوات الضوئية-، قد أنزل -مِن أجلك أنت- كلامًا مِن فوق سبع سماوات، وليس كلامًا فقط، بل كلامًا ميسَّرًا لكي تقرأه.

 

لو قرأتَ لأي أستاذٍ، لأي عبقري، لأي مفكرٍ؛ ستجد أن كلامه صعبٌ، وستجد أنه يسعد ويفرح حين يقال له: إن كلامه صعبٌ ومُعَقَّد! وربما قال: هذا علامة نجاحي!

 

ولكن الله ملك الملوك تبارك وتعالى، الرحمن الرحيم الكريم "وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى? فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، أنعم علينا بأن يسَّر ذلك القرآن للذكر؛ لماذا؟!

 

لكي نذكره ونعرفه، ونصل إليه.

 

لكي نسير إليه.

 

لكي تطمئن قلوبنا بذكره، "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".

 

"فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ"؟

 

هذا النصف الثاني من الآية؛ لقد أنعمتُ عليك أيها العبد؛ فأين شكرك؟

 

"فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ"؟

 

هل مِن متذكرٍ للنعمة؟

 

هل مِن شاكرٍ لهذه النعمة؟

 

هل مِن مُنزجرٍ عن معصية الله تبارك وتعالى؟

 

كيف ينعم الله عليك، وبعد ذلك تهجر ذلك الكلام؟!

 

وبعد ذلك تعصاه؟!

 

هل مِن طالبٍ لذلك العلم الذي في القرآن؟

 

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "مَن أراد علم الأولين وعلم الآخرين؛ فعليه بذلك القرآن".

 

فلن تطلب العلم إلا مِن خلال ذلك الكتاب.

 

لن تطلب الذكر إلا مِن خلال ذلك الكتاب.

 

لن تطلب الشكر إلا مِن خلال ذلك الكتاب.

 

فهل مِن شاكرٍ؟!

 

هل مِن ذاكرٍ؟!

 

هل مِن مدكرٍ؟

 

هل من مُنزجرٍ عن المعاصي؟!

 

هل مِن طالبٍ لعِلْمٍ ينفعه في الدنيا والآخرة؟!

 

هل مِن صاحبٍ لذلك القرآن يصحبه في كل أوقاته؟!

 

نعم، ينبغي أن تضحي بوقتك، بل تضحي بكثيرٍ مِن أوقاتك ولحظاتك، ودقَائقك، لكي تفتح ذلك القرآن، وتشكر نعمة الله عليك بتيسير ذلك القرآن للذِّكْر.

الابلاغ عن خطأ
شارك