وجاهدهم به جهادًا كبيرًا
في وسط أمواج الفتن المتلاطمة التي
تموج كموج البحر المظلم من كيد ومكر الأعداء لهذه الأمة، وما تعين به الأمة على
نفسها بالارتكاس إلى الظلم والجهل والإعراض عن سر قوتها وعزها في إسلامها لرب
العالمين .. في وسط الاختلاف والافتراق ببدع اعتقادية وعملية داخل دائرة الإسلام
.. واعتقادات كفرية وإلحادية وزندقة خارج دائرته.. يحتاج العبد المؤمن إلى جنة
حصينة يجتن بها في تلك العواصف .. وفي سعير تلك الحرب الشعواء .. يحتاج إلى ملاذ
ومأوى يحمي قلبه وعقله ويذوق فيه طعم الإيمان والقرب من الرحمن حتى تعرض الفتن على
قلبه فلا يشربها بل تمر عليه كالماء حين يمر على الزجاج فيزيده لمعانا يكون
"قلبا أبيض كالصفا لا تضره فتنة" أبيض في علمه كالصخر والصفا في عزمه
يكون في صفائه ونقائه كالزجاجة "المصباح في زجاجة" .. وكل هذا لا يكاد
يجده إلا في نعيم القرآن!
القرآن لم ينزل ليترنم به أو يطرب أو
تفتتح به المحافل بعيدا عن صراع الحياة وحقيقة التدافع بين الحق والباطل والكفر
والإيمان بل أنزله الله من عل لتستنير به القلوب وتقوى فتكون كالصخر في عقائدها
ومرتكزاتها أمام الترهات والسفسطة والارتكاسات ونجاسات العقول والأفكار فترتد تلك
الأمواج خائبة حاسرة بخفي حنين..نزل ليتدبر ويتدارس تعلما وتعليما ثم ليكون له
القدح المعلى في شفاء المرضى وتضميد الجرحى من أهل الشبهات من أهل الزندقة
والإلحاد بمعناه العام من الميل عن الحق قولا وعملا وسلوكا " وذروا الذين
يلحدون في أسمائه" " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"
يشفي به الله ..يهدي به الله " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين
ولا يزيد الظالمين إلا خسارا" "
يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه
ويهديهم إلى صراط مستقيم".
ويرتقي العبد في درجات الاستقامة
الفكرية والمنهجية والسلوكية إلى مقام الدعوة والإحسان إلى الخلق في مجادلتهم
بالحق "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ولا
تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي
حميم" " وجادلهم بالتي هي أحسن" فيستوعب قضايا القرآن ومسائله
وحججه وسلطانه على الكافرين والجاحدين العقلية والكونية والأفقية والنفسية
..فيتحقق له مقام الجهاد الحق و والكفاح الصدق الذي هو غاية الجهاد بالسيف والسنان
" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" أي حتى لا يكون هنالك
شرك ظاهر يحكم الأرض وتكون كلمة الله هي العليا على الأرض أي شرعه وأوامره كما هي
العليا على الحقيقة والإطلاق ..والقرآن يحوي من الأدلة والبراهين على كافة الشبهات
ولكن يحتاج القرآن منك ليظهر لك كرمه وكنوزه إلى شيئين الثقة واليقين
بدوائه..والولوج إلى بابه بالافتقار والسؤال الحثيث لأنه كتاب عزيز...
وفي ضمن هذه السلسلة من المقالات نتعرض
لبعض أنوار حجج القرآن وشفائها لأدواء العقائد والأفكار لنتحقق بالنفس الطويل في
الجهاد والبيان والصدع بالحق..
نسأل الله التوفيق والسداد في القول
والعمل!