حتى لا تذبل الزهور

حتى لا تذبل الزهور

طريق الدعوة إلى الله وخدمة دين الله تبارك وتعالى طريق مقدس معظم وكلمة الدعوة هي أفضل كلمة تقال على وجه اﻷرض وحري لمن يتصدى لهذه الوظيفة التي هي ميراث اﻷنبياء الرسل المبعوثين من قبل السماء أن يرتقي لمستوى المهمة التي هي" من أعظم مقامات التعبد" كما يقول ابن القيم رحمه الله

وهو على قدر ما فيه من أجر وخير في العاجل واﻵجل فهو محفوف بمخاطر إذا لم يلتفت إليها كادت تحيق باﻷمر هلاكا..!

ومن هذه المخاطر خطر التعامل مع الصف الداخلي الصاعد للحقل الدعوي ..أي التعامل مع الكوادر الناشئة..

فالقيام بهذه المهمة له أثر بالغ وعميق إن كان بالسلب أو اﻹيجاب ..

ولكن اﻵثار تكون مدمرة في الحقيقة لو تأملنا إن كان التعامل يؤدي لهدر الطاقات وكسر النفوس و إذبال تلك الزهور..

حين نرى تقصيرنا الشخصي في خدمة ديننا فإننا نستغفر الله ونتداركه بتوبة حين تتيقظ هممنا ولكن اﻹشكال يزداد تعقيدا أن نتسبب في تأخر العمل اﻹسﻻمي من حيث ﻻ نشعر صدا عن سبيل الله من حيث ﻻ ندري وذلك حين تخسر الدعوة والعمل من أجل الدين عشرات اﻷشخاص وتتساقط تلك المواهب والقدرات من تلك القافلة ..

حين تكتشف بعد مرور السنين أن تلك الطاقة التي كانت يوما ما مهيأة لخدمة الدين أنه تم استغﻻلها من جانب آخر إن كان دنيويا صرفا فضﻻ أن يكون محرما ..فيتقطع قلبك حسرة عليه وعلى مربيه وعلى العمل الذي خسره..

تراه بعد طول السنين وقد شحبت معالم اﻻلتزام فيه وذبلت جذوة الحماسة في خدمة دينه..

ونحن نعلم أن الدعوة ﻻتتوقف على أحد ولكن ﻻبد من النقد الذاتي الذي يصحح المسار ويدفع المفاسد وينصح المسئول عن ذلك..

من المسئول عن ذلك ؟

إنه المربي محدود اﻷفق ضيق العطن الذي لم يرتق لمستوى المسئولية التي ألقيت على عاتقه تجاه اﻷجيال فيقتل كل يوم -شعر أم لم يشعر -

طاقة ويدفنها تحت تراب اليأس والتثبيط أو تراب اﻻنهزامية وفقد الثقة بالنفس أو تراب التبعية العمياء التي ﻻ تصنع إﻻ إمعات ترضي غرور متبوعيها..!

كم بيننا أمثال من قال ﻻبن عباس رضي الله عنهما حين دعاه لطلب العلم "واها لك أترى الناس يحتاجون إليك وفيهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" هذا الرجل ﻻشك أنه من خير القرون وهو صالح ولكن انظر إلى هذه الكلمة وماذا كان يمكن أن تؤثر وتفت في عضد ذلك الجهبذ لو كان التفت إليها..ومرت اﻷيام وكانت حلقته تمﻷ المسجد واعترف الرجل أنه كان أعقل منه ..!

كم من كلمات تقتل قدرات وطاقات

كم من كلمات تكسر أعواد كادت تقوم وترسخ وتكون أعمدة خرسانية في حقل الدعوة

كم من كلمة ﻻ نلقي لها باﻻ يمتد أثرها السيء عبر اﻷيام في نفس السامع فيمتد أثرها سيئات ويهوى بها صاحبها في الدركات..!

وكل هذا وهي كلمة..ولكن قد تذبل الزهور بسببها ..!

كانت نفسية ابن عباس صخرية تتحدى العوائق وهذا الذي يجب على المربى أن يستوعبه أنه إذا عرف ما قصد هان عليه ماوجد أنه إن صدق الله صدقه الله فﻻبد من تحدي العوائق وتخطيها وفرض النفس على الواقع بالصدق في تحديد الهدف على حسب قدراتك ثم اﻹخﻻص والتجرد والبذل المستمر بﻻ التفات..!

ولكن حين نتدارس المشكلة ﻻبد أن نتاولها من جانب الجرح وإن كان عميقاو ﻻ ينبغي لنا أن نتواكل ونقول ﻻبد أن يصدق حتى يتسنى له التميز

ﻷن العباد متفاوتون في الطاقات وأعمال القلوب ونحن نحتاج لكل الطاقات الضعيفة والقوية في السير ..

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يميز بين المواهب والقدرات مابين القوي والضعيف فيقول ﻷحدهم أرجو أن تكون ممن تدخل الجنة من كل اﻷبواب وﻵخر إنك ضعيف ..

يوجه أحدهم لتعلم لغة يهود وآخر للقرآن وتعلم التأويل وآخر لقيادة الحروب ورابع للإنفاق

وعلى حسب قربنا من ذلك النموذج نعيد الكرة في إنتاج طائفة حقيقية للاضطﻻع بمهام التغيير والتجديد..

يقف دون هذا اﻷفق العالي عقبة كئود

وهي المربي المحدود اﻷفق وتتلخص محدوديته في جانبين :

1-أفق فكري وثقافي

-وترى ذلك في أن المربي نتيجة ضيق تصوره ﻷصول الدعوة وآفاقها وإدراكه لكليات الشريعة ومقاصدها الكلية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وقادة اﻷمة في إدارة اﻷشخاص والمؤسسات فقد يقتصر تصوره لخدمة الدين في أبعاد مرحلة زمنية معينة أو بعد مكاني جغرافي معين وهو في الحقيقة قد يتغير مع المربى وحينها لا يكون مؤهﻻ للقيام بشؤونه ويكون ممن يحسن ذلك ولكن كاليد التي ضمرت من السكون

-وتراه أيضا -بتلك المحدودية- في قصر خدمة الدين في طريق واحد قد أثبت المربي فيه نفسه، فقد تغلب عليه قضية تحقيق ذاته من خﻻل مربيه في أن يورثوا مهمته - التي قد تكون علمية أو دعوية أو إدارية -دون النظر لعقلياتهم وقدراتهم التي قد تختلف عن ميوله ﻻسيما إن كانت أمرا جديدا حادثا على بيئة فرضتها ظروف معينة- كاﻷدب والترجمة والتنمية البشرية واﻹدارة أو التاريخ أو علم اﻻجتماع وغير ذلك- أو تفوق قدراته في نفس المجال..! وهو في كل ذلك ﻻ يصرح ولكن الواقع العقيم خير شاهد.

2-أفق نفسي ووجداني :

وهو يتمثل في محدودية نفسية المربي ونقص عباداته القلبية فيسقط في أمراض النفوس والقلوب من الحسد والغيرة المذمومة واﻻستعﻻء والبغي واﻻستطالة والكبر فﻻ يريد أن يرى من هو أفضل ويكون لسان حاله إذا رآه "ﻷقتلنك" وذلك الذي يؤدي لصراع اﻷجيال بين الصغير والكبير ﻻ عﻻقة التآزر بين التراحم والتوقير..

وإذا تأملت فستجد أن المربي المحدود هو ضحية مرب محدود آخر

فكيف سنحاسب الضحية على أنه جان..؟!

وإذا نظرت إلى البعد اﻵخر من المربين تراهم يتساقطون وهم أيضا ضحايا

فإذن العﻻج يتبلور في طفرة تأهيلية في الجانبين ..ﻻ تفي بها تلك اﻷوراق بل تحتاج إلى تنظيرات أعمق وتطبيقات أوسع ولكن هذه السطور تذكرة وصيحة نذير وفتق لمكنون اﻵﻻم لتلك الجروح التي تغلق غالبا من غير تطهير فغالبا تؤدي إلى غرغرينة ويقطع العضو....

ونجمل ذلك في رسائل لكل من المربي والمربى

-اعلم أيها المربي :

-أن عليك مسئولية في تأهيل ذاتك للتواصل مع اﻷجيال واستيعاب القدرات وهذا يتطلب مستوى معين من الثقافة الشرعية وأدوات التواصل والذكاء الوجداني

-اعلم أنك غارس في أرض القلب عند مربيك فانظر ماذا تغرس ..

-اعلم أن الزهرة إذا ذبلت منك والعود انكسر قد ﻻ يعوض

-مهمتك أن تتفتح الزهور على يديك وليس أن تذبل فاجعل التقويم مابين الحزم الرحيم والرفق والشفقة..وتكون سياسة العمل شد اﻷزر وتقوية الظهور والكف عن المضار واﻷمراض النفسية في نفوس من تؤثر فيهم ﻻ بالصدام والكسر ولكن باستيعاب أن طريق العﻻج أولها الوقاية ثم المداواة وآخرها الكي لرحمته

-اكتشاف الطاقات وتوجيهها فيما تحسن فأنت ﻻ تريد تحقيق ذاتك وإنتاج نسخ منك بل تريد إعﻻء كلمة الله في النفوس كل على حسب طاقته وميوله وﻻ بد من إيمانك بالتخصصية الذي يؤدي للإبداع بعيدا عن ذاتك بالنسبة لهم

-أجرك عظيم ودورك جليل في التأثير في اﻷجيال وعلى قدر العلم والعمل واﻹخﻻص والبصيرة والبذل تكون تاجا على رؤوس من تربيهم

وعلى قدر اﻹهمال واﻻستهتار الناتج عن سوء الغهم أو مرض الفلب يكون التجني واﻻعتداء على تلك اﻷجيال وقد تصد عن سبيل الله بذلك "وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله" ويكون الوزر عظيما والذكرى في الدنيا أليمة

 

اعلم أيها الناشيء المربى :

-اعلم أنها حياتك ودينك الذي هو أغلى من شحمك ولحمك فﻻبد من التضحية والبذل رغم اﻵﻻم والجراح وإياك أن تقصر في حق نفسك ودورك في خدمة دينك و تتنازل عنه وﻻ تنتظر أحدا ولن ينفعك أحد حين تمضي اﻷيام وتفوت فرصة الحياة

-وطن نفسك على التوقير للكبير و اﻻستفادة منه إن أصاب وعذره وحسن الظن به إن أخطأ وطن نفسك على تعدي الخطأ وعدم الوقوف عنده

واﻻستفادة من اﻷخطاء لعدم تكرارها وتفاديها في حياتك وحياة من تؤثر فيه

-اترك كل العوائق وانطلق لهدفك وعلى قدر إخﻻصك تفرض نفسك على الواقع

-اعلم أنك ستكون مربيا في يوم من اﻷيام فﻻ تعق شيخك ﻷنه كما تدين تدان...فبر أباك يبرك ابنك ..!

-المصلحة واحدة وهي إعﻻء كلمة الله والمسئولية علينا جميعا متساوية فما قصر فيه أخوك أو شيخك قمت به أنت..

فصل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك..

وليعلم كل من المربي والمربى أن دين الله منصور والمستقبل له بنا أو بغيرنا فنحن نحتاج أن نخدمه بكل متاح وممكن خدمة إتقان وتفان و مرتفعين فوق العوائق الداخلية والخارجية

والله ولي التوفيق

الابلاغ عن خطأ
شارك