مصابيح وليس شموعا
خلقنا الله في هذه الحياة الدنيا ﻹقامة
العبودية له تعالى بكل أنواعها قلبا وقالبا ..حبا وشوقا وخوفا ورجاءا وركوعا
وسجودا وأعظم درجات التعبد هو أن تكون بينه وبين خلقه دعوة وبﻻغا وتعليما وأمرا
بالمعروف ونهيا عن المنكر ..كما يقول ابن القيم رحمه الله
وذاك المقام هو مقام اﻷنبياء و عﻻمة
على اﻻصطفاء "الله يصطفي من المﻻئكة رسﻻ ومن الناس " قال ابن القيم الله
يصطفي لرسالته أصﻻ وميراثا ..فمن يرث النبوة هذا مصطفى مجتبى من قبل الله ..
والنبوة لها وظائف أربع كما جاء في
الكتاب العزيز "كما أرسلنا فيكم رسوﻻ منكم 1-يتلو عليكم آياتنا
2-ويزكيكم
3-ويعلمكم الكتاب
4-والحكمة"
فالنبوة تﻻوة وتعليم وتربية وتصفية
وتهذيب..
وهذا اﻷمر يتطلب من القائم به دائما
تجديدا ﻹيمانه ويقينه و تعاهدا ﻷوراده و علومه وفهومه وتقدما حقيقيا في السير إلى
الله تبارك وتعالى..
كثير ممن تصدى لهذا الشأن أصبح شأنه
كشأن الشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين الطريق أو كالشجرة الوارفة الظﻻل التي يستظل
بها الناس من كل حدب وصوب وقد دب داخلها السوس فتجتث من فوق اﻷرض مالها من قرار..
ولم يكلفنا الله أن نكون شموعا وليس
ذاك هو حقيقة وراثة النبوة والقيام بشعيرة اﻷمر بالمعرةف بل أمرنا أن نكون
كالمصابيح
"الله نور السماوات واﻷرض مثل
نوره كمشكاة فيها (مصباح المصباح) في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة
مباركة زيتونة ﻻ شرقية وﻻ غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور
يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله اﻷمثال للنس والله بكل شيء عليم"
قال أبي بن كعب وابن عباس رضي الله
عنهما مثل نوره في قلب المسلم..
كمثل تجويف في الحائط وهو يشير إلى
التجويف الصدري فيها مصباح وهو مصدر النور واﻹيمان المصباح في زجاجة والزجاجة هي
القلب يرى الحق بنقائه وهو صلب في اعتقاده ورقيق لكل ذي قربى ومسلم ...
والفرق بين المصباح والشمعة أن الشمعة
تستهلك فتنفد فتلقى
اما المصباح فهو قابل للتجدد والنماء
ولو استهلك فتيله ووقوده فيجدد و يتزود فيعود وهاجا وضاءا منيرا..
كثيرمنا قد استهلك باﻷعمال الدعوية عن
تجديد وقوده وتراه ملء السمع والبصر حركة وشهرة ولكن قد دب السوس في قلبه و قاربت
الشمعة على اﻻنتهاء ﻻبد من توازن بين التقدم الكمي والكيفي على مستوى الفرد و
الجماعة والمجتمع واﻷمة ..
نحن نشكوا من تقدم المظهر على الجوهر
..
من تقدم العلم على العمل واﻷخﻻق..
من تقدم اﻷعمال الظاهرة على طاعات
السر..
من تقدم اﻷعمال الدعوية على التعبد
الخاص بين العبد وربه..
ﻻبد من توازن و توسط ..
ﻻبد من عطاء للقلب كي نستطيع أن نأخذ
منه ..
ﻻبد من وقود..
"الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من
شجرة مباركة زيتونة ﻻ شرقية وﻻ غربية "
ذاك القلب الزجاجي وقوده من زيت زيتوني
مبارك من شجرة مباركة وهي شجرة الوحي الصافي الثجاج النازل من السماء ﻻ شرقي وﻻ
غربي ﻻ إفراط وﻻ تفريط وﻻ غلو وﻻ جفاء ﻻ مع المغضوب عليهم وﻻ الضالين ﻻ مع أهل
الغي علم بﻻ عمل وﻻ مع أهل الضﻻل عمل بﻻ علم ﻻ مع أهل العلو وﻻ مع أهل الفساد..
بل توسط في اﻹرادات والتصورات واﻷعمال
والسلوكيات..
ذلك الوحي قرآن وسنة ..ﻻبد أن يتزود
منه كل يوم يتعلم آية ويتعلم حديثا ﻻ لينشرها على موقع التواصل اﻻجتماعي وﻻ
ليقولها في محاضرة بل ليجدد ذاك المصباح الذي ينير الزجاجة ..
ليجد غب ذاك النور في ورده وصﻻته وذكره
ودعائه وصيامه وقيامه ومعاملته وخلقه..ليكون صالحا ومن ثم ليكون مصلحا..
ﻻبد أن يتلو اﻵيات هو نفسه وتحترق بها
حشاشة نفسه قبل تﻻوتها على الناس..
ﻻبد أن يتزكى و يطهر نفسه وقلبه من
أمراض الشهوة والشبهة والوساوس الرديئة و الخواطر الشيطانية ..ويخلي ويحلي قبل أن
يعظ بلفظه و عمله بعيد عن قوله..
ﻻبدوأن يتعلم الكتاب والحكمة ﻻ تكفي
الخطوط العريضة أو العناوين والشعارات الجوفاء بل نحتاج إلى دراسة مؤصلة أكاديمية
لكل فروع الشريعة من العلوم الخادمة والمخدومة وأصلها تلقي الوحي قرآن وسنة و
تنمية الملكة الفقهية التي تتعامل مع الوحي مباشرة بعد التأهل ؛ لفتح باب اﻻجتهاد
وتجديد الدين على مصراعيه..
نحن نحتاج للاضطﻻع بأعباء وراثة النبوة
لمصابيح متجددة متقدة متقدمة كل يوم زيادة من الفضل والنور " ويستجيب الذين
آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله"..
ﻻ ينبغي لك أيها الداعية أن تتوقف عن
تنمية ذاتك في علمك وعبادتك وأورادك ﻻ بد أن تتاجر وتربح وتنفق من الربح إياك أن
تنفق من رأس المال فتفشل تجارتك مع الله وتنحسر دعوتك وتخفت وتخبو وتغور في اﻷرض
وقبل ذلك تفقد قلبك ورضا ربك وقد اغتررت بشهرة أو ثناء أو ألقاب زائفة ..
كن مصباحا وﻻ تكن شمعة..!