لنعش جمالية المرحلة

لنعش جمالية المرحلة

من فقه السير إلى الله أن يعىَ السائر أن الطريق درجات ومدارج فى الإيمان والعرفان بالرحمن تبارك وتعالى وأنه منازل ومقامات ينتقل العبد من عُلوه إلى أعلى وأرفع.. وإن توقف عن السير فإنه ينتقل إلى سفل وأسفل ولا توقف ولا سكون بل هى الحركة الدائمة إما إلى الأمام أو الوراء { لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } 

(37) سورة المدثر

 

فالإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعات والقربات وينقص بالمعاصى والمخالفات، وهكذا أيها السائر ينبغى أن تعلم أنه عليك أن ترتقى فى كل يوم درجة ولا يستوى يومك وأمسك قال أبوسليمان الدارنى للجنيد ( إذا استوى يومك وأمسك فأنت فى نقصان ) فما بالك اذا نقص يومك عن أمسك كيف يكون الخسران ، قال تعالى { وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ،إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } سورة العصر.

 

فكل يوم معاملة جديدة ومذاق إيمانى رغيد وحلاوة وأشواق وأحوال راقية مع الله تبارك وتعالى فالعمر واحد لن يتكرر وإنما سمى عمراًليعمر بذكر الله والحياة معه وقضاء الأوقات واللحظات فى قربه وولايته والخضوع بين يديه، فهكذا تكون الحياة...

 

مدارج الآيات فى القرآن ومدارج المنازل الربانية فى سنة النبى العدنان صلى الله عليه وسلم

- كل آية وحديث زيادة فى الإيمان بما هو قول وعمل بما فيهما من قلب ولسان وجوارح صناعة آلهية لذلك الإنسان و في كل ذلك أنس بالله مع مجاهدة النفس للصبر على حكمه الكونى والشرعى لاستكمال مراتب خالص العبودية { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }

(48) سورة الطور.

 

ما أجمل التدرج وما أجمل تلك الربانية التى تأخذ بالصغار قبل الكبار، تبدأ بمنزلة منزلة ما أحلى منزلة الحب بعد منزلة التوبة أو معها، وما أجمل منزلة الرسوخ بعد منزلة الكد فى طلب العلم وما أروع منزل البلاغ المبين بعد تلقى الوحى من الله الكريم تبارك وتعالى.

 

لا نحتاج ونحن الآن أمام هذا الجمال نطالعه ونكشف أسراره إلى الترهيب من القفز على المراحل والتشبع بما لم يعِط الإنسان كما صح ذلك

عن النبى صلى الله عليه وسلم (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور)

 

وقيل من تعجل شيئاً قبل أوانه عُوقب بحرمانه كثير من الناس  يريد أن يكون العلامة والفهامة والولى  والشيخ الآن بدون تدرج ولامرحلية، تغلبه نفسه الأمارة بالسوء على إرادة العلو حتى إن لم يرد فساداً ولا تصفو له الدار الآخرة إلا بالتخلى عن تلكما الإرادتين { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (83) سورة القصص.

قال يحيى بن معاذ ( لا يفلح من شمت منه رائحة الرياسة )

 

تريد الدنيا أن تسرق منه جمال المرحلة التى يعيشها، مرحلة الابتداء أو التوسط ... ما أجمل أن تعيش مرحلتك ان كنت جندياً أو كنت قائداَ ولا تكون قائداً حتى تكون جندياً.

 

ليس النجاح والفلاح فى القفز على المراحل ولكن الفلاح والنجاح فى عيش المراحل والتزود من أنوارها لاستكمال الطريق ... الروعة أن تكون قائداً فى كل مرحلة أنت فيها

 ( إن كان فى الساقة كان فى الساقة وإن كان فى الحراسة كان فى الحراسة ) كما قال الرسول طوبى لهذاالعبد...!

 

لا تلتقت إلى الأضواء وتجرى وراءها وتلهث فهذه أعمال دنيء الهمة ولكن كن عظيماً ... بطلاً.. فارساً ... فتلتفت لك الأضواء ... ولا أخفيك سراً فى هذه المرحلة المتقدمة لن تشعر بالأضواء والشهرة حتى ... ولن تفكر فيها أصلاً بل سيكون همك هو مرضاة ربك ومراقبته والعمل من أجل رضاه، ولن تنظر إلى الألقاب والمدح والثناء .. لن تعيرها اهتماما .. ستجر الأضواء أذيال الخيبة لأنها لم تنل من قلبك الكبير- الذى وسع ملكوت السموات والأرض وتدفقت فيه شلالات الهدى والنور والوحى وطيبته و رققته وأصلحته فأصبح سليماً مطيعاً لرب رحيم ودود تبارك وتعالى- بأدنى نظرة و هنالك ستشعر بجمال الصلة بالله والأنس حتى ولو لم يشعرأحد بمكانك.    

 

** قال أيوب السختيانى ( والله ما صدق الله عبد إلا  سره ألا يٌشعر بمكانه...)

- ولن تشعر أخى بجمال التمكن من المراحل الراقية والمدارج السامية

- إلا إذا عانيت التدرج والارتقاء

- وهذا هو طريق الربانية فى العلم والعمل والدعوة

 

قال ابن عباس  الربانى من يأخذ صغار العلم قبل كباره، لن تستطيع أن تعى وتفهم المغني  في الفقه إلا بعد العدة والمنار ... لن تجيد الفتاوى إلا بعد الأصول الثلاثة والفتح والمعارج .. لن يجدر بك أن تتغنى بقراءات القرآن إلا بعد ختمة القراءة واحدة أولاً ... وهكذا فى بقية العلوم والفهم فضلاً عن الفقه والاجتهاد والفهم عن الله والاستقراء الذى يحتاج لطول مجاورة ومكث على العلم وعمر مبذول.

- قال ابن مسعود : ( كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أجلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون أهل السماء وتخفون فى أهل الأرض ).

 

- أخى لن تنال العلم إلا بستة                سأمضيهــا لك بحســن بيـان

- ذكاء وحرص وغربـــة             وافتقار وتلقين أستاذ وطول زمـان 

 

لست بصدد شرح البيتين للحجة العلامة الإمام الشافعى ولكن الشاهد (وطول زمان) الصبر.... الصبر.... به يرتفع القدر { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } (24) سورة السجدة، وبالصبر ارتفع الزيت على الماء لأنه صبر على الطحن والعصر بالصبر يرتفع القدر فلا داعي للتشنج في المذاكرة والحفظ و كأنك ستحصل العلم كله مرة واحدة فكما سيأتي سريعا سيذهب سريعا ولكن نحتاج الى علو همة وجدية في الطلب مع رزانة في الفهم والتحصيل ..( سئل ابن سيرين كيف حصلت العلم؟ قال:مسألة وراء مسألة عبر الليالي و السنين).وهكذا في خبرات العمل والدعوة...

 

ما أجمل أخى أن نصبر ونصابر ونرابط فى سفرنا إلى الله وسيرنا إليه حتى نشتاق ونشتاق فإذا فزنا بالوصول بعد الكدَ نذوق طعم الجزاء فيقول الله تعالى { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ  } (24) سورة الحاقة.

 

لابد من جهد واجتهاد وصدق وقد يسبق الإنسان ولا نحجر على أحد ولكن تبقى السنن الكونية والشرعية لابد من اعتبارها والسير فى رحاب فهمها وفقهها وعدم مصادمتها حتى نبقى على جمال المنازل وجمال المرحلة التى نحياها لله ونأنس فيها به ونخلص فيها له، ولا ننجرف مع الأضواء وحب الظهور وشهوة العلو على الأقران حتى ولو تفاوتت القدرات والطاعات .... فابذلوا كل طاقاتكم فى مواضعها ... واخلص قلبك لله تبارك وتعالى ولا تضيع اللحظات وليكن شعارك أن تعيش اللحظة فى طاعة الله فأنت لا تستطيع أن تسبح في نهر الحياة مرتين..

ولتكن إذاً سباحة على بصيرة وصبر

مع مسابقة إلى الخيرات فى إطار مرحلتك ومنزلتك

وما أسرع اللحاق لمن فهم معنى السباق.

شارك