ظمأ الروح.. وأولويات الداعية..
ورد فيما رواه أبو داود الطيالسي وغيره
بأسانيدهم عن عبد الله بن أوس بن حذيفة الثقفي عن جده أوس رضي الله عنه قال
:"قدمنا وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم فنزل اﻷحﻻفيون على المغيرة بن
شعبة ، وأنزل المالكيين قبته ،
قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا
فيحدثنا بعد العشاء اﻵخرة حتى يراوح بين قدميه من طول القيام ، فكان اشتكاء قريش ؛
يقول : كنا بمكة مستدلين مستضعفين فلما قدمنا المدينة انتصفنا من القوم فكانت سجال
الحرب علينا ولنا
فاحتبس عنا ليلة عن الوقت الذي كان يأتينا فيه
ثم أتانا فقلنا : يارسول الله احتبست عنا الليلة عن الوقت الذي كنت تأتينا فيه..
فقال صلى الله عليه وسلم :" إنه طرأ علي
حزبي من القرآن فأحببت أن ﻻ أخرج حتى أقرأه أو قال :أقضيه"
فلما أصبحنا سألنا أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن أحزاب القرآن كيف تحزبونه فقالوا ثﻻث ، وخمس، وسبع، وتسع ، وإحدى عشر
، وثﻻث عشرة وحزب المفصل"
مسند أبي داود الطيالسي (11088) وأخرجه
أبو داود السجستاني وابن ماجه
هذا الحديث يبين قيمة الورد القرآني في
حياة الداعية وكيف أن اهتمامه بقلبه ووصله بالقرآن هو سر حياته وحياة دعوته بل
وحياة اﻷمة بأسرها إذا بارك الله في خطاه وفي آثاره
وسمي الورد وردا إشارة إلى ورود الماء
وكأنه ماء الحياة وهو القرآن..
قال السخاوي :" والورد أظنه من الورد الذي
ضد الصدر ﻷن( القرآن يروي ظمأ القلب)"
ففي ظل الفتن التي تموج كموج البحر
المظلم وفي زل ظلمات الغربة المتكاثرة تذهب ركوبة القلب ويتيبس ويقسو وتغور فيه
معاني الحياة والنور ويظمأ ظمأ تتشقق من جرلئه حناياه شوقا لغيث وري ﻻ يكون إﻻ
بشكل منتظم وغذاء متكامل بوجبة غنية مفعنة بحب الله والشوق إليه والخوف منه ورهبته
ورغبته وذلك من ديمومة الورد القرآني الذي يطفيء ذلك الظمأ ويطفيء نيران الشهوات
ويحرق حشيش الشبهات الذي يذهب جفاءا مع ذلك السيل المبارك من الماء الطاهر الثجاج
الذي يغمر القلب..
وتأمل في قولهم" فاحتبس عنا"
كثير منا قد يفضل العمل المتعدي النفع على العمل
الفردي التعبدي في الجملة ويقول هذا ينفع اﻷمة وذاك نفعه قاصر على فرد..
وهذه نظرة قاصرة..!
وتستطيع أن تفسر انقطاع كثير من اﻷعمال
الدعوية وعدم إتمامها على الوجه اللائق أو استمرارها بدون ثمرة جنية حقيقية بسبب
تلك النظرة..
فلما كان القائمون على ذلك العمل المتعدي قد
تسطح عندهم اﻹيمان وأصبح قشورا ظاهرة لم تضرب بأطنايه في تربة قلوبهم لقسوتها..
تسطح أثرهم وأثر أعمالهم في تقدم اﻷمة في مسيرة
اﻹصﻻح إلى الله..
النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو إمام
الدعاة وقائد تلك القافلة النورانية التي غيرت وﻻ زالت تغير مجرى التاريخ
والمستقبل احتبس عن موعظته ليلة..
لماذا ؟
ليروي ظمأ روحه وقلبه وهو الذي نزل على
قلبه القرآن..!
فكيف بقلوب مريضة بالجهل والشهوة والغي
والضﻻل ..؟!
فكيف بقلوب ماتت ودفنت في أعماق تراب
الحياة..ومع ذلك متصدرة لعمل إسﻻمي تفسد أكثر مما تصلح ..
كيف تكون حاجتها لكي تستفيق من
الغيبوبة ومن مكر الشيطان بهم ..
أن العمل المتعدي ( الدروس والمحاضرات والندوات
والمؤتمرات والعمل الحركي واﻻجتماعي ) أهم في الجملة من الجانب التعبدي في حياة
الداعية هكذا بدون تفصيل..بنظرة ساضجة سطحية بعيدة عن العمق الموضوعية ..!
علينا أن ننزل كل أمر منزله ونعطي كل
ذي حق حقه..
وأولى الحقوق لتلك اﻵلة المنتجة
للأقوال واﻷفعال والسلوكيات ..
المستجلبة للتوفيق من السماء..
أﻻ وهي القلب..
طروء وردك وحزبك مدعاة للانقطاع واﻻحتباس حتى
تنهيه مالم يتعارض مع واجب عيني تأثم بتركه ..
مقتض لغلق هاتفك وغلق موقع التواصل اﻻجتماعي
وإلغاء درس وتأجيل مةعد ولقاء حتى تنهيه..
واﻷمر في منتهى البساطة لو استغللنا أوقاتنا ولم
تضعها في اللغو واللهو العب..!
ولكن إذا مالت الكفة ﻻ تجعلها تميل على
جانب ظمأ الروح..
ﻻ تجعل كفة العبادات التي تخلو من حظ
النفس في الظهور والشهرة .،على العبادات التي توثق صلتك بربك خالية من شوائب
الرياء والسمعة ..
كن فقيه النفس فطنا لخيانتها وخسة
شراكتها ومثرة أمرها بالسوء..
ورتب أولوياتك على وفق إمامك النصطفى
صلى الله عليه وسلم في إصﻻحك وصﻻحك ودعوتك النبي صلى الله عليه وسلم ﻻ نشترط وردا
معينا بكم معين ..
ولكننا نشترط وردا يطفيء ظمأ الروح
دائم ﻻ ينقطع
ليكون أولى اﻷولويات..