تعليقات أحد القراء على " كتاب الحياة "
بسم الله الرحمن الرحيم
أن يبقى قلبك على قيد الحياة أمرًا غير عاديًا، أن تكون لك شمسك الخاصة تشرق أنوارها على روحك بنظرة من قلبك إلى السماء وقتما شئت ليلًا أو نهار، أن تمتلك بداخلك أبوابًا للسعادة تدخل إلى أيها شئت وقتما شئت، ولكل منها سحرها الخاص..
في زمن تقطعت فيه القلوب على الدنيا حسرات حتى أننا أحيانا ندخل من طريق التدين للوصول إلى أهوائنا الخاصة ومرادنا من الله، ولكن متى يكون المراد هو الله تبارك وتعالى؟ متى يكون المراد هو الآخرة؟ ونسعى لذلك، فنحوذها، ثم تأتينا الدنيا وهي راغمة..
".. ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه جمع اللهُ له أمرَه وجعل غناه في قلبِه وأتتْه الدُّنيا وهي راغمةٌ" [صحيح الترغيب]
في كتاب (الزهد) للإمام أحمد رحمه الله أن المسيح عليه السلام قال للحواريين: (إنكم لن تلجوا ملكوت السموات حتى تولدوا مرتين).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: هي ولادة الأرواح والقلوب من الأبدان وخروجها من عالم الطبيعة كما وُلِدَتْ الأبدان من البدن وخرجت منه.
يقول ابن القيم في المدارج: "وَحَوْلَ هَذِهِ الْحَيَاةِ يُدَنْدِنُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَكُلُّهُمْ قَدْ أَخْطَأَ طَرِيقَهَا، وَسَلَكَ طُرُقًا لَا تُفْضِي إِلَيْهَا..".
ثم يردف قائلًا: "فإن قلت: قد أشرت إلى حياة غير معهودة بين أموات الأحياء، فهل يمكنك صف طريقها، لأصل إلى شيء من أذواقها، فقد بان لي أن ما نحن فيه من الحياة حياة بهيمية، ربما زادت علينا فيه البهائم بخلوها عن المنكرات والمنغصات وسلامة العاقبة؟
قلت: لعمر الله إن اشتياقك إلى هذه الحياة، وطلب علمها ومعرفتها لدليل على حياتك، وأنك لست من جملة الأموات.."
وبين أيدينا خطة الوصول، والسبيل إلى النعيم المعجل في صورة كتاب (كتاب الحياة)
يأخذك الكتاب ليضع قدميك على مبتدأ الطريق وأجله وأعظمه (معرفة الله)، ثم الطرق التي يتعرف الله بها إلينا، ثم التخلية من العوائق التي تحول بيننا وبين طريق النور وقد أبصرناه من بعيد وتاقت أرواحنا للوصول إليه، ثم التغني والترنم بجوامع الكلم حاديًا للوصول في الطريق (حولها ندندن)، ثم تقديم قرابين الحب وخير ما تجود به أرواحنا لله تعالى حتى نرد نهر الحياة، فنرتوي ويذهب الظمأ.
قد تشعر أنك تلاحق الكلمات وأنت تقرأ وذلك ربما لتدفق معاني الكتاب وغناه وتنوعه في الموضوع الواحد وثراء الأفكار الأصولية، وتجددها بما يلامس الواقع (فنسأل الله أن يجدد لنا أمر ديننا)..
غزارة الاستدلال بالكتاب والسنة دفقة روح لقلبك من آن للآخر في رحلة القراءة جعله بجدارة كتابًا للحياة..
﴿وَكَذلِكَ أَوحَينا إِلَيكَ روحًا مِن أَمرِنا﴾ [الشورى: ٥٢]
نسق الكتاب كله يحلق بك بعيدا يجعلك تذهل -رغمًا عنك- عن توافه الدنيا وما فيها ومن فيها، يجعل لك وجهة واحدة وهدف واحد (الآخرة)..
﴿وَإِنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ لَو كانوا يَعلَمونَ﴾ [العنكبوت: ٦٤]
يأخذك إلى طريق السعادة والفرح والسرور وقرة العين وحقيقة النعيم المطلق في خطوات عملية متزنة ثابتة ومنهج واضح..
كما يقول ابن القيم في المدارج: "وَإِذَا كَانَ الْمُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ يُعْطِي أَضْعَافَ أَضْعَافَ مَا تُقُرِّبَ بِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ أُعْطِيَ حَالَ التَّقَرُّبِ وَذَوْقَهُ وَوَجْدَهُ؟ فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِرُوحِهِ، وَجَمِيعِ إِرَادَتِهِ وَهِمَّتِهِ، وَأَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ؟
وَعَلَى هَذَا فَكَمَا جَادَ لِحَبِيبِهِ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ أَهْلٌ أَنْ يُجَادَ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَكُونَ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ حَظُّهُ وَنَصِيبُهُ، عِوَضًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، جَزَاءً وِفَاقًا، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ".
نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يجعل لهذا الكتاب نصيبا من اسمه
ويكتب له الحياة، ويجزي عنا شيخنا خير الجزاء بما أحيا قلوبنا بعلمه من بعد المَوات.
والحمد لله رب العالمين