من هو ابن تيمية .. مفتي العالم وشيخ الإسلام
وقد جمع بين المواظبة و بين جودة و إحسان الأداء الذي يثمر حلاوات و مذاقات الإيمان ..
٢-زهده في الدنيا و تقلله و فقره و إيثاره الآخرة
شيخ الإسلام حياته كلها تعبير عن حسمه لقرار و اختيار إيثار الآخرة وهذا في الحقيقة يكون انعاكاسا لعلاقة العبد مع ربه حبا و شوقا و يقينا و إنابة و خوفا ورجاءا ، فتراه مؤثرا ربه على كل شيء وراغب إليه زاهد في كل شيء سواه و باذلا لربه كل شيء ..
فتتجلى عبودية الزهد في الدنيا و الملك و الرئاسة و لذلك تجده قويا في الحق لا يداهن و لا يجامل و لا تأخذه في الله لومة لائم ..!
وكذلك أعلى مراتب الزهد وهو الزهد بالنفس فيهضمها فيعفو و يصفح و يحسن وهذا ما سنتناوله في النقطة التالية ..
يقول علم الدين البرزالي :"وجرى على طريقة واحدة من اختيار الفقر ، و التقلل من الدنيا ، ورد كل ما يفتح به عليه من أموال "
و في ترفعه عن الرئاسة قصته مع الملك الناصر حين قال له "سمعت بأن الناس أطاعوك ،و أنت تفكر في الحصول على الملك ، فرد عليه قائلا بصوت عالٍ سمعه الناس الحاضرون كلهم : أنا أفعل ذلك ؟!..
"والله إن ملكك و ملك المغول لا يساوي عندي فلسا واحدا "
٣- رفيع أخلاقه من سخائه و كرمه و نبله حتى مع أعدائه
يقول ابن فضل العمري أحد معاصريه :"كانت تأتيه القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة ، و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث ، فيهب ذلك بأجمعه و يضعه عند أهل الحاجة في موضعه لا يأخذ منه شيئا إلا ليهبه و لا يحفظه إلا ليتصدق به ؛ و كان يتصدق حتى إذا لم يجد شيئا نزع بعض ثيابه فيصل به الفقراء"
و أما هضمه لنفسه ورده الإساءة بالإحسان و نبله مع أعدائه ففي ٧٠٩ هجريا حين أطلق سراحه خلا به السلطان و استفتاه في قتل أولئك القضاة الذين قاموا بحماية جاشنكير و أفتوا بعزل السلطان و أوشوا بشيخ الإسلام و عرضوه للقتل
زاد السلطان و قال "إنهم أثاروا عليك الضجة و الأقاويل و آذوك "
فما وسع ابن تيمية إلا أن مدحهم ، و أثنى عليهم أمام السلطان و شفع لهم بالعفو و الصفح و منعه من قتلهم و قال إنك إن قتلتهم لن تجد مثلهم ..!!
قال ابن القيم رحمه الله : " كان يدعو لأعدائه ، ما رأيته يدعو على واحد مهم ، و قد نعيت إليه يوما أحد معارضيه الذي كان يفوق الناس في إيذائه و عدائه فزجرني و أعرض عني وقرأ "إنا لله و إنا إليه راجعون " و ذهب الساعة إلى منزله فعزى أهله و قال "اعتبروني خليفة له و نائبا عنه ، و أساعدكم في كل ما تحتاجون إليه "
وتحدث معهم بلطف و إكرام بعث فيهم السرور فبالغ في الدعاء لهم حتى تعجبوا منه ..!"
الخصومات تظهر متانة الديانة و المعدن و لذلك نحن نحتاج كما تعلمنا فقه الخلاف نظريا أن نتعلم أخلاق الخلاف في ظل تلك المنازعات و الخصومات التي تعصف بالعمل الإسلامي و ننتهج نهج الأنبياء و الرسل في الصبر و الاحتساب و الإحسان و قد أبدع شيخ الإسلام في طرح هذه المسألة في قاعدته في الصبر مع ضرب أروع أمثلة النبل و المروءة و الشهامة عمليا حتى شهد بذلك أعداؤه ..
قال ابن مخلوف المالكي :"ما رأيت كريما واسع الصدر مثل ابن تيمية ، فقد أثرنا الدولة ضده و لكنه عفا عنا بعد المقدرة حتى دافع عنا و قام بحمايتنا "
هذا الغنى العالي وهو غنى النفس بالله عن رغبات الانتقام و العلو و الغل و الحقد و الحسد ..
قال صلى الله عليه و سلم "ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس "
هذه السعادة و السرور بالله كان يغنيه عن كل شيء
هذا الحال الذي كان يشغل قلبه و نفسه رحمه الله كما نقل عنه ابن القيم رحمه الله :"قال مرة "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة "
و كان يقول "ما يصنع أعدائي بي إن جنتي و بستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني "
و لم تفارقه طيلة حياته رغم سني السجن و الأذى و المحن و كان معلما و قدوة و أسوة لأصحابه و طلابه و أهل عصره
قال ابن القيم رحمه الله في المدارج :"زارني ذات ليلة في الرؤيا و ذكرت له بعض أعمال القلوب ..
فقال :"أما أنا فطريقي السرور به و الفرح به"
قال ابن القيم :" وهكذا كان حاله في الحياة و يبدو ذلك على ظاهره و ينادي عليه حاله "
وهذه هي المصالحة بين القول و الفعل و العلم و العمل و التنظير و السلوك في شخصياتنا و دعوتنا و إصلاحنا و العمل الإسلامي المعاصر ؛ فالناس شبعى الآذان من المواعظ و الخطب جوعى العيون لترى ذلك في الخلق و السلوك و السمت فطوبى لعبد كان واعظا للمتس بلحظه قبل لفظه و بخلقه قبل كلامه ..!
#اعرف_ابن_تيمية
#ابن_تيمية_مش_إرهابي